البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG): المفهوم – الأهمية – الفوائد

المقدمة :

في ضوء التغير المناخي، وما يرتبط به من أخطار وتحديات تواجه البشرية، تزداد الضغوط اليوم على الشركات المدرجة وغير المدرجة في الأسواق المالية؛ لتمارس أعمالها وفق الأساليب الصديقةبالبيئة. وتعدّ الشركات مسؤولة عن أنشطتها أمام مختلف أصحاب العلاقة من المستثمرين والعملاء والموظفين، وكذلك المنظمات غير الحكومية التي ترغب في تقييم الأداء المالي وغير المالي لتلك الشركات وأثره على البيئة. ويطلق على الجهود التي تبذلها الشركات لدمج الجوانب البيئية، والاجتماعية وكذلك الجوانب المتعلقة بالحوكمة في أنشطة أعمالها مصطلح المسؤولية البيئة والاجتماعية والحوكمة (Environmental Social Governance (ESG)) . ويعكس التزام الشركات في هذه الجوانب الثلاثة مسؤوليتها عن المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، كما يضمن التزامها بهذه المسؤولية نجاح أعمالها على المدى البعيد .

تعدّ تقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية أكثر أهمية من أي وقت مضى، فهي تمكّن أصحاب العلاقة  والمستثمرين من توجيه رؤوس أموالهم إلى استثمارات تتماشى مع الأنشطة المستدامة، وتتفق مع مبادئ المستثمرين والقيم  الخاصة بهم. وعليه، أصبحت تقارير ESG ذات أهمية كبيرة للشركات، لما لها من تأثير واضح على الجانب المالي.

ولا يزال إفصاح الشركات عن نتائج تطبيق معايير ال ESG طوعيا  حتى يومنا هذا، رغم الضغوط التي تمارسها الجهات المنظمة لتلك المعايير، ويمكن القول: إن إعداد التقارير الاستباقية التي تركز على المستقبل أمر بالغ الأهمية لتلبية المتطلبات التنظيمية القادمة والاستجابة لنمط الأعمال المتغير، خاصة إذا علمنا أن تقارير ESG تساهم في تعزيز الشفافية، وجذب المستثمرين والتمويل، بالإضافة إلى تلبية مختلف احتياجات أصحاب العلاقة. وبالإشارة إلى أهمية ال ESG في ممارسة الأعمال، تجدر الإشارة إلى قيام 79 من الرؤساء التنفيذيين لكبريات الشركات في العالم الغربي في كانون الأول 2015 بالتوقيع على خطاب مفتوح لقادة العالم،وقبل اتفاقية باريس للمناخ، تحثهم من خلاله على اتخاذ إجراءات مناخية ملموسة، تالياً نصه:

“نحن الرؤساء التنفيذين من 79 شركة و 20 قطاعًا اقتصاديا ، حققنا معًا اكثر من 2.1 تريليون دولار من الايرادات في عا م 2014 من خلال عملياتنا التشغيلية  في اكثر  من 150 دولة واقليم ؛ سنعمل كسفراء للعمل المناخي وسندير  بنشاط مخاطر المناخ وندمجها في صنع القرار  لتكون  بنفس مستوى  اهمية تحقيق فرص النمو، وسنتخذ  خطوات عملية لتنفيذ  استراتيجيات فعالة  نحو تعزيز مرونة  شركاتنا والمجتمع ايضا  “.

وفي هذا السياق، لا بد من التنويه إلى تعدد الأنشطة المتعلقة بالمسؤولية المجتمعية للشركات كالحد من انبعاثات الكربون، والعمل الخيري، والتطوعي، وغيرها من الأنشطة، وقد أثبتت الممارسات أن مثل هذه الأنشطة تعود بالفائدة على الشركات من حيث شهرة العلامة التجارية، واستقطاب الموظفين والاحتفاظ بهم، مما يساهم بالمحصلة النهائية في زيادة الإنتاجية.

معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات ESG 

معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات (ESG) هي مجموعة من المعايير التي تستخدم لتقييم أداء الشركات والمؤسسات من حيث التزامها بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية وحوكمة الشركات. يمكن تقسيم هذه المعايير إلى ثلاثة محاور رئيسية:

  1. المعايير البيئية (E):

    • تغير المناخ: قياس انبعاثات غازات الدفيئة، استراتيجيات تخفيف التأثيرات البيئية، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.

    • استخدام الموارد: كفاءة استخدام الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة، وإدارة النفايات.

    • التنوع البيولوجي: الحفاظ على التنوع البيولوجي والتعامل مع تأثير الأنشطة الصناعية على النظم البيئية.

  2. المعايير المجتمعية (S):

    • حقوق الإنسان: التزام الشركة بحماية حقوق الإنسان وتجنب العمل القسري أو عمالة الأطفال.

    • ظروف العمل: تأمين بيئة عمل آمنة وصحية، وتوفير الأجور العادلة والفرص المتكافئة للتوظيف.

    • المشاركة المجتمعية: المساهمة في تطوير المجتمعات المحلية وتعزيز العلاقات الجيدة مع المجتمع.

  3. حوكمة الشركات (G):

    • تركيب مجلس الإدارة: تنوع وخبرة أعضاء مجلس الإدارة واستقلاليتهم.

    • مكافحة الفساد: وجود سياسات واضحة لمكافحة الفساد والرشوة.

    • الشفافية والمساءلة: تقارير دورية وشاملة عن الأداء المالي وغير المالي للشركة، وآليات المساءلة والمراجعة الداخلية.

تعتبر معايير ESG جزءًا أساسيًا من الاستراتيجيات الاستثمارية الحديثة، حيث يفضل المستثمرون والشركات الاستثمار في مؤسسات تلتزم بمعايير الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة الجيدة، مما يعزز من سمعة الشركة ويقلل من المخاطر المحتملة.

اهمية وفوائد معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات (ESG) على مستوى الأفراد والمؤسسات

على مستوى الأفراد:

  1. تحسين نوعية الحياة:

    • المعايير البيئية تشجع على ممارسات تساهم في تحسين البيئة المحيطة، مما يؤدي إلى هواء أنظف، وماء أنقى، وبيئة أكثر صحة للجميع.

  2. توفير فرص عمل:

    • تبني الشركات لمعايير ESG يساهم في خلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة النفايات، والمشاريع الاجتماعية.

  3. تعزيز المسؤولية الفردية:

    • تشجع معايير ESG الأفراد على تبني ممارسات مستدامة ومسؤولة في حياتهم اليومية، مما يعزز الوعي البيئي والمجتمعي.

  4. تطوير المهارات والمعرفة:

    • تقدم برامج التدريب والتعليم المتعلقة بـ ESG فرصاً للأفراد لاكتساب مهارات ومعرفة جديدة، مما يزيد من فرصهم في سوق العمل.

على مستوى المؤسسات:

  1. تعزيز السمعة والمسؤولية الاجتماعية:

    • التزام الشركات بمعايير ESG يعزز سمعتها ويظهر التزامها بالمسؤولية الاجتماعية، مما يجذب العملاء والمستثمرين الذين يفضلون التعامل مع مؤسسات مسؤولة ومستدامة.

  2. تحقيق الكفاءة الاقتصادية:

    • تطبيق ممارسات مستدامة يمكن أن يؤدي إلى تقليل التكاليف التشغيلية، مثل تقليل استهلاك الطاقة والموارد، وتحسين إدارة النفايات.

  3. الامتثال التنظيمي والقانوني:

    • يساعد الالتزام بمعايير ESG الشركات في الامتثال للقوانين واللوائح البيئية والاجتماعية، مما يقلل من المخاطر القانونية والغرامات.

  4. جذب الاستثمارات:

    • المستثمرون باتوا يفضلون الاستثمار في شركات تلتزم بمعايير ESG، حيث يعتبرونها أقل عرضة للمخاطر وأكثر استدامة على المدى الطويل.

  5. تحسين الإنتاجية والمعنويات:

    • بيئة العمل التي تلتزم بمعايير ESG تكون عادة أكثر إيجابية وتعاونية، مما يعزز من إنتاجية الموظفين ومعنوياتهم.

  6. الابتكار والتطوير:

    • الشركات التي تلتزم بمعايير ESG تكون أكثر قدرة على الابتكار وتطوير حلول جديدة للتحديات البيئية والاجتماعية، مما يساهم في نموها واستدامتها.

في المجمل، تعتبر معايير ESG ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية على جميع المستويات، مما يساهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *